التأقلمات الجسدية
قرش أبيض كبير يسبح.
تمتلك القروش البيضاء الكبيرة، كغيرها من أسماك القرش، حاسةً سادسة إضافية، فهي تستطيع تحديد الحقل الكهرومغناطيسي الناجم عن حراك الكائنات الحية في المياه، وذلك عبر مستشعرات خاصة تقع على مقدمة خطمها، تُعرف باسم "أمپولات ورينزيني".[30][31] فكلما سبح كائن ولّد حقلاً كهربائيًا في المياه المحيطة، والقروش البيضاء الكبيرة حساسة جدّا لهذا التغيّر فهي تشعر به وإن تغيّر بنسبة نصف مليار ڤولت فقط، أي لو تولّد نتيجة نبضة قلب ذلك الكائن حتى.[32]
قرش أبيض كبير يعضّ طعمًا معلقَا بقفص مائي، أدرجه بعض العلماء لقياس القوة الكامنة في فكه، بالقرب من الخليج المزيف في جنوب أفريقيا.
دائمًا ما تكون درجة حرارة أجساد القروش البيضاء الكبيرة أعلى من تلك الخاصة بمحيطها، وقد تطوّرت لديها هذه الخاصيّة عبر ملايين السنين كاستجابة على تطوّر وظهور أنواع جديدة من الطرائد الرشيقة سريعة الحركة، مثل أسود البحر، التي يستحيل على القروش صيدها لولا تمتعها بهذه الخاصية. أمّا عن كيفية تحكم القروش بحرارة جسدها، فإن ذلك يعود لامتلاكها عدد من الأوردة والشرايين المتشابكة مع بعضها البعض على جانبي جسدها، تقوم بتدفئة الدم البارد عابر الشرايين السطحية وذلك عبر خلطه مع الدم عابر الأوردة الذي سبق وأن دفأ بعد أن عبر الأعضاء الحيوية. من شأن هذه العملية أن تجعل حرارة بضعة أقسام من الجسد، وبشكل خاص المعدة، تفوق درجة حرارة المياه المحيطة بحوالي 14 °مئوية (25 °فهرنهايت)،[33] فيما تبقى درجة حرارة كل من القلب والخياشيم مساوية لدرجة حرارة المياه. تستطيع القروش أن تخفّض درجة حرارة جسدها حتى تتساوى مع درجة حرارة المحيط بحال اضطرت إلى تخزين طاقتها بسبب انعدام الطرائد أو انخفاض نسبة مخزونها، وبسبب هذا فإن بعض العلماء يعتبرون أن أفضل تعريف للقروش البيضاء الكبيرة هو ذاك القائل بأنها من ذوات الدم البارد القادرة على الاتيان بتفاعل ماص للحرارة.
قوة العض
قام بعض العلماء في جامعة نيو ساوث ويلز عام 2007 في مدينة سيدني بأستراليا، بإجراء دراسة باستخدام تقنية التصوير المقطعي المحوسب، لاحتساب مقدار القوة الأقصى لعضة القروش البيضاء الكبيرة، التي لم تكن قد احتسبت بدقة علمية كبيرة من قبل، على الرغم من أنها أجريت على بعض الأفراد البريّة، وذلك لإثبات صحة النظريات التي قيلت عن هذا الموضوع حتى ذلك الحين أو ضحضها.[34] وفي عام 2008، قام فريق من العلماء، بقيادة ستيڤن رو بإجراء تجربة على قرش برّي لتحديد مقدار القوة أو الطاقة الكامنة في فكه، وقد أظهرت النتائج أن فردًا يفوق حجمه 6.1 متر (20 قدمًا)، يمكن أن تبلغ قوة عضته 18,000 نيوتن (4,000 رطل).[24]
البيئة والسلوك
قرش أبيض يقذف بنفسه إلى الوراء خلال صيده سمكة تن.
إن سلوك القرش الأبيض وطبيعته الاجتماعية ليسا مفهومين جيداً بعد. في جنوب أفريقيا تملك هذه الحيوانات تسلسلاً هرمياً للهيمنة (en) يَعتمد في مرجعيته على جنس وحجم ومنطقة سيطرة الحيوان: فالإناث تهيمن على الذكور، والقروش الأضخم تهيمن على الأصغر، والمُقيمون فعلاً في المنطقة يُهيمنون على القادمين الجدد. وعندما تصطدم القروش مع بعضها خلال الصيد فإنها تحل نزاعاتها عن طريق طقوس واستعراضات القوة،[35] ونادراً ما تلجأ إلى القتال المباشر من أجل ذلك، لكن مع ذلك فقد سجلت بعض الحالات التي عثرَ فيها على قروش بيضاء توجد على أجسادها علامات عضات تطابق علامات عض القروش البيضاء أنفسها. وربما يُشير هذا إلى أنه عندما يَقترب قرش أبيض كثيراً من قرش آخر فإن الثاني يردُّ على الأول بعضة تحذيرية، كما من المحتمل أن هذه القروش تستخدم العض كوسيلة لإظهار هيمنتها.
لوحظ عند جزيرة الفقمة على القروش البيضاء أنها تصل وتُغادر في جماعات منتظمة يبلغ تعدادها قرشين إلى ستة كل فترة يبلغ مقدارها عاماً واحداً. ليس من المعروف ما إذا كان هناك رابط مُعيَّن بين أفراد كل جماعة، لكنهم يكونون مسالمين إلى حد ما مع بعضهم البعض. وفي الواقع فربما أفضل من يُمكن مقارنة البنية الاجتماعية لهذه الجماعات به هي مجموعات الذئاب، حيث أن كل فرد في المجموعة لديه مرتبة اجتماعية معيَّنة وقائد للمجموعة. وعندما يَلتقي أفراد من مجموعات مختلفة فإنهم يُؤسسون لأنفسهم - بدورهم - مراتب اجتماعية معينة، ويَفعلون ذلك بعدة طرق غير عنيفة.[35]
القروش البيضاء الكبيرة هي واحدة من القروش القليلة التي يُعرَف عنها أنها ترفع رأسها خارج الماء كل فترة للنظر إلى ما حولها، كفريسة محتملة مثلاً. لوحظ هذا السلوك أيضاً عند مجموعة واحدة على الأقل من قروش الحيود سوداء الطرف (en)، لكن يُمكن أن تكوش القروش قد تعلمت هذا السلوك من تفاعلها مع البشر (يَفترض البعض أن القرش ربما يكون قادراً على الشم بشكل أفضل بهذه الطريقة، لأن الرائحة تنتقل عبر الهواء أسرع من عبر الماء). القروش البيضاء هي بشكل عام حيوانات فضولية جداً وتُظهر الكثير من الذكاء ويُمكنها أن تصبح نشطة اجتماعياً إذا ما اقتضت ذلك الضرورة.[35]
الغذاء
القروش البيضاء الكبيرة هي لواحم تتغذى على كائنات مختلفة، منها الأسماك (مثل التن والشفنين وحتى القروش الأخرى) والحيتانيات (مثل الحيتان والدلافين وخنازير البحر) وزعنفيات الأقدام (مثل الفقمات وفقمات الفرو وأسود البحر)[35] بالإضافة إلى اللجآت[35] والقضاعات والطيور البحرية. ويُعرَف أيضاً عن القروش البيضاء أنها قد تأكل أشياء هي نفسها غير قادرة على هضمها.[36]
عندما يبلغ طول القرش الأبيض حوالي 4 أمتار يبدأ في استهداف الثدييات البحرية ويضمها إلى قائمة طرائده،[37] حيثُ تصبح المكون الرئيسي لغذائه، إذ أن القروش تفضل الطرائد الدسمة التي تختزن الكثير من الطاقة عندما تبلغ هذه المرحلة من النمو. وقد قام بعض العلماء بإجراء تجاربَ على مدى تقبل القروش البيضاء للأنواع المختلفة من اللحوم، فقدموا لقرش جيف ثلاث حيوانات مختلفة هي فقمة وخنزير وخروف، وكانت النتيجة أن القرش هاجمَ جميع الجيف، لكنه رفض أن يَأكل من جيفة الخروف وحدها.[38]
القروش البيضاء الكبيرة ليست - كما اعتقدَ في وقت من الأوقات - "آلات أكل عمياء"، بل هي صيادات كامنة، إذ تأخذ فريستها على حين غرَّة من الأسفل. فقد سجلَت الغالبية العظمى من حالات هجمات القروش على ساحل جزيرة الفقمة في جنوب أفريقيا في الصباح ضمن مدة يَبلغ طولها ساعتين تقريباً بعد الشروق عندما تكون إمكانية الرؤية محدودة، ونسبة نجاح هذه الهجمات هي 55% في أول ساعتين، ثم تنخفض إلى 40% في باقي النهار عندما تتوقف عملية الصيد عدى عن حالات نادرة.[35]
تختلف آليات الصيد التي يَستعملها القرش الأبيض وفق نوع الفريسة التي يصطادها. فعند جزير الفقمة تنقض القروش على فقمات الفرو البنية من تحت الماء بسرعة كبيرة لدرجة أنها يُمكنها القذف بجسمها كله خارج المياه، فتتمكن من إصابة الفقمة في قلب جسدها. ومن المتفق على نحوب واسع بين العلماء أن سرعة القفز القصوى عند هذه الحيوانات تتجاوز 40 كيلومتراً في الساعة، لكن مع ذلك فإن فلا زال هناك مجال لدقة أكبر في قياس السرعة.[39] لوحظ أيضاً على القروش البيضاء في بعض الحالات أنها تُطارد فرائسها التي فشلت بصيدها، وهي عُموماً تطارد فرائسها قرب السطح عادة.[40]
في كاليفورنيا، تقوم القروش البيضاء الكبيرة بشل حركة الفقمات الفيلية الشمالية (en) بتوجيه عضة قاسية إلى زعانفها الخلفيَّة (وهي الجزء الرئيسي الذي يَمنح الفقمة دفعها عبرَ الماء)، ثم يربض بعدها في مكانها منتظراً موت الفقمات من النزيف المستمر. تستخدم هذه الاستراتيجية بشكل خاص بشكل خاص على ذكور فقمات الفيل البالغة، التي يُمكنها أن تكون بحجم القرش الأبيض نفسه أو حتى أكبر منه، وهوَ ما يجعلها خصوماً خطيرة إلى حد ما حتى على القرش نفسه. أما الفقمة المألوفة (en) فيُمكن للقرش ببساطة أن يَجرها من سطح الماء نحوَ الأسفل حتى تتوقف عن المُقاومة، ثم ياكلها في أعماق المياه. ونفس الشيء بالنسبة لأسود بحر كاليفورنيا التي يجرها من الأسفل ويعضها في وسط جسدها قبل أن يلتهمها.[41]
تُهاجم القروش البيضاء الدلافين وخنازير البحر من الأعلى والأسفل والخلف، للتجنب أن تكتشفها طريدتها بنظام مُراقبتها الدقيق. ومن أنواع الحيتانيات التي تفترسها القروش البيضاء بالتحديد دلافين رسو والدلافين القاتمة[25] وأنبوبية الخطم[25][25][42] والسنامية[42] وخنازير بحر المرافئ ودول.[25] كثيراً ما تؤدي المُواجهات القريبة بين الدلافين والقروش المُفترس إلى مُراوغة الدلافين وهروبها من مُفترسها، لكن مع ذلك ففي بعض الحالات النادرة يُمكن أن تتعاون مجموعة من الدلافين على قرش واحد وتُطارده بعيداً في رد فعل دفاعيّ.[42] لوحظ أيضاً أن القروش البيضاء قد تصطاد أحياناً بعض أنواع الحيتان، فكثيراً ما تتغذى على حوت العنبر القزم في البحر الأبيض المتوسط،[43] بالإضافة إلى الحيتان المنقارية.[25][42]
سائح يَنظر إلى علامات عضات خلفها قرش أبيض كبير على إحدى طرائده.
على الرغم أنه من المعروف عن القروش البيضاء الكبيرة تجنبها عُموماً للنزاعات بين بعضها البعض، فإن ظاهرة أكل بني الجنس (en) ليست غريبة عليها. إذ يُمكن أن يَتعامل القروش كبار الحجم بعدوانية مع الصغار، ففي إحدى الحالات المسجلة قام قرش بطول 6 أمتار بعض آخر بطول 3 أمتار قرب جزيرة أسترالية، وهي حادثة تدل على هذا النوع من السلوك بين هذه الحيوانات.[44]
تتغذى القروش البيضاء أيضاً على جيف الحيتان، وهو سلوك تعرف الحيوانات التي تمارسه بـ"الحيوانات القمامة". وفي أحد الحوادث المسجلة شوهدت قروش بيضاء وهي تتغذى على جيفة حوت جنباً إلى جنب مع قروش ببرية.[45]
القفز من الماء
أحياناً تقذف القروش البيضاء الكبيرة بنفسها بسرعة كبيرة خارج الماء بحيث يُصبح جسمها (جزئياً أو كلياً) فوق سطحه، وهذه القفزة هي عبارة عن تقنية صيد تستخدمها القروش البيضاء خلال صيدها الفقمات، وأكثر الأماكن التي تمارس فيها هذه الحيوانات هذا السلوك هي مناطق تواجد فقمات الفرو في جزيرة الفقمة بجنوب أفريقيا، وكان أول من وثقها هو المصور "كريس فالوز". يُسجل على جزيرة الفقمة كل عام بين شهري أبريل وسبتمبر ما يُقارب 600 حالة افتراس طبيعيَّة، حيث تسبح الفقمات على السطح فتُهاجمها القروش البيضاء من الأسفل مفتكة بها بسرعة تصل إلى 60 كيلومتراً في الساعة، ومعَ هذه السرعة يُمكنها أحياناً القفز حتى ارتفاع 3 أمتار فوق سطح الماء. لكن مع ذلك فإن المعلومات المسجلة تظهر أن القروش تنجح في أقل من 50% من حالات الافتراس هذه في قتل فريستها.[46] سجل في عام 2011 قفز قرش بطول 3 أمتار نحو مركب أبحاث عليه 7 أشخاص بجوار جزيرة الفقمة، لكن اعتبرت تلك الحالة مجرَّد حادث شاذ، إذ أنه لم يُسجل الكثير مثلها من قبل.[47]