لما اشتد البلاء على المسلمين، أذن لهم محمد بالهجرة إلى الحبشة عند الملك أصحمة النجاشي، قائلاً لهم «إنّ بأرض الحبشة ملكًا لا يُظلَم أحدٌ عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه»، فخرج 11 رجلاً و4 نسوة،[157] على رأسهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت محمد،[158] في شهر رجب من سنة خمس من البعثة (8 ق هـ)،[159] وكان رحيل هؤلاء تسللًا في الليل، خرجوا إلى البحر وقصدوا "ميناء شعيبة"، وكانت هناك سفينتان تجاريتان أبحرتا بهم إلى الحبشة،[160] فكانت أول هجرة في الإسلام.
موضع السجود في آخر سورة النجم والذي سجد عند تلاوته كل من سمعه من النبي محمد.
وفي أعقاب الهجرة إلى الحبشة، وتحديدًا في شهر رمضان، خرج النبي محمد إلى الحرم، وفيه جمع كبير من قريش، فقام فيهم، وفاجأهم بتلاوة سورة النجم، ولم يكن أولئك قد سمعوا القرآن من قبل، لأنهم كانوا مستمرين على ما تواصوا به من قولهم ﴿لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون﴾،[160] حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة آية ﴿فاسجدوا لله واعبدوا﴾ ثم سجد، فسجد معه كل من كان حاضرًا من قريش،[161] إلا شيخًا أخذ كفًا من حصى فرفعه إلى جبهته وقال: «يكفيني هذا»،[162] فشاع أن قريشًا قد أسلمت.[159]
ولما بلغ المسلمين في الحبشة أن أهل مكة قد أسلموا، رجع ناس منهم إلى مكة، فلم يجدوا ما أُخبروا به صحيحًا، فلم يدخل أحدٌ مكة إلا مستخفيًا، أو في جوار رجل من قريش،[160] ثم رجعوا وسار معهم جماعة إلى الحبشة، وهي الهجرة الثانية،[159] فكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إليها من المسلمين، سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم صغارًا أو ولدوا بها، 83 رجلاً.[158] ولما رأت قريش أنّ أصحاب محمد قد أمنوا في الحبشة، بعثوا عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص محمّلين بالهدايا للنجاشي وبطارقته علّه يخرج المسلمين من دياره، فدعى النجاشي المسلمين، وقام جعفر بن أبي طالب مدافعًا عن المسلمين، فقرأ على النجاشي بعضًا من سورة مريم، فبكى النجاشي، وبكت أساقفته حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي «إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما، ولا يُكادون - يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه».[163][164] وقد هاجر معظم الذين هاجروا إلى الحبشة إلى المدينة المنورة، بعد أن استقر الإسلام فيها، وتأخر جعفر ومن معه إلى فتح خيبر سنة 7 هـ.[159]