لما بلغ محمد سنَّ الأربعين، اعتاد أن يخرج إلى غار حراء (طوله 2.16م، وعرضه 0.945م)[117] في جبل النور على بعد نحو ميلين من مكة،[83] وذلك في كل عام،[116] فيأخذ معه الطعام والماء ليقيم فيه شهرًا بأكمله ليتعبد ويتأمّل.[118] ويعتقد المسلمون بأنه في يوم الاثنين،[119] 17 رمضان[120] أو 24 رمضان،[116][121] أو 21 رمضان، الموافق 10 أغسطس سنة 610م،[117] أو 27 رجب (المشهور عند الشيعة)،[122] نزل الوحي لأول مرّة على محمد وهو في غار حراء، تروي عائشة بنت أبي بكر قصة بدء الوحي، والتي أنكر الشيعة معظمَ ما جاء فيها:[123][124]
أول ما بدأ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه المَلك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقاريء. قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ . فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمّلوني زملّوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتُقرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة، وكان امرءًا تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله ﷺ خبر ما رأى، فقاله له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله به على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيًا إذ يُخرجك قومك، فقال رسول الله ﷺ: أوَمخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأتِ رجل قطّ بمثل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا
وبعد تلك الحادثة، فَتَر عنه الوحي مدة، قيل أنها ثلاث سنوات وقيل أقلّ من ذلك، ورجّح البوطي ما رواه البيهقي من أن المدة كانت ستةَ أشهر،[45][125] حتى انتهت بنزول أوائل سورة المدثر. ثم بدأ الوحي ينزل ويتتابع مدة ثلاثة وعشرين عامًا حتى وفاته.[126] فكان أول ما نزل من القرآن بعد أول سورة العلق، أول سورة القلم، والمدثر والمزمل والضحى والليل.[114] وعن كيفية نزول الوحي عليه، كان يقول «أحيانًا في مثل صلصلة الجرس، فهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول»، قالت عائشة: «ولقد رأيتُه ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصِم عنه، وإنَّ جبينه ليتفصَّد عرقًا».[127] وفي نفس تلك الفترة حدثت له حادثة شق الصدر للمرّة الثانية.[128][129]