ورد في القرآن أفعال أطلقها الله تعالى على نفسه على سبيل الجزاء والمقابلة والعدل والعقاب ولم يتسم منها باسم, وقد إتفق علماء المسلمين بأنها ليست من أسماء الله الحسنى, كقول الله تعالى:
(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)) (سورة الأنفال)
(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)) (سورة التوبة)
(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)) (سورة البقرة)
(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)) (سورة الطارق)
(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)) (سورة النساء)
قال ابن القيم: « ومن هنا يعلم غلط بعض المتأخرين وزلقة الفاحش في اشتقاقه له من كل فعل أخبر به عن نفسه اسماً مطلقاً فأدخله في أسمائه الحسنى، فاشتق له اسم الماكر، والخادع، والفاتن، والمضل، والكاتب، ونحوها من قوله: (وَيَمْكُرُ اللهُ) (سورة الأنفال: 30)، ومن قوله: (وَهُوَ خَادِعُهُمْ) (سورة النساء: 142)، ومن قوله: (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) (سورة طه: 131)، ومن قوله: (يُضِلُّ مَن يَشَاءُ) (الرعد: 27) (سورة النحل: 93) (سورة فاطر:
، وقوله تعالى: (كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَ) (سورة المجادلة: 21)، وهذا خطأ من وجوه:
أحدها: أنه لم يطلق على نفسه هذه الأسماء، فإطلاقها عليه لا يجوز.
الثاني: أنه أخبر عن نفسه بأفعال مختصة مقيدة، فلا يجوز أن ينسب إليه مسمى الاسم على الإطلاق.
الثالث: أن إطلاق مسمى هذه الأسماءِ منقسم إلى ما يمدح فيه المسمى به، وإلى ما يذم به، فيحسن في موضع، ويقبح في موضع، فيمتنع إطلاقه عليه من غير تفصيل.
الرابع: أن هذه ليست من الأسماء الحسنى التي يسمى بها, فلا يجوز أن يسمى بها فإن أسماء الرب تعالى كلها حسنى، كما قال تعالى: (وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) (الأعراف: 180)، وهى التي يحب أن يثنى عليه ويحمد بها دون غيرها.
الخامس: أن القائل بهذا لو سُمي بهذه الأسماء، وقيل له هذه مدحتك وثناءٌ عليك، فأنت الماكر الفاتن المخادع المضل اللاعن الفاعل الصانع ونحوها لما كان يرضى بإطلاق هذه الأسماء عليه ولم يعدها مدحة، ولله المثل الأعلى وتعالى عما يقول الجاهلون به علواً كبيراً.
السادس: أن هذا القائل يلزمه أن يجعل من أسمائه اللاعن والجائي والآتي والذاهب والتارك والمقاتل والصادق والمنزل والنازل والمذموم والمدمر وأضعاف أضعاف ذلك، فيشتق له اسماً من كل فعل أخبر به عن نفسه، وإلا تناقض تناقضاً بيناً، ولا أحد من العقلاءِ طرد ذلك، فعلم بطلان قوله والحمد لله رب العالمين. »[57]
وقال حافظ حكمي: (قد ورد في القرآن أفعال أطلقها الله عز وجل على نفسه على سبيل الجزاء العدل والمقابلة وهي فيما سيقت فيه مدح وكمال لكن لا يجوز أن يشتق له تعالى منهما أسماء ولا تطلق عليه في غير ما سيقت فيه من الآيات كقوله تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142))(سورة النساء) وقوله (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)) (سورة آل عمران) وقوله تعالى (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)) (سورة التوبة) وقوله تعالى *(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)) (سورة البقرة) ونحو ذلك فلا يجوز أن يطلق على الله تعالى مخادع ماكر ناس مستهزئ ونحو ذلك مما يتعالى الله عنه ولا يقال الله يستهزئ ويخادع ويمكر وينسى على سبيل الإطلاق تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا)[58]