في الطريق إلى المدينة مر النبي صلى الله علية وسلم بأم معبد اسمها عاتكة بنت كعب الخزاعية في وادي قديد حيث مساكن خزاعة، وهي أخت خنيس بن خالد الخزاعي الذي روى قصتها، وهي قصة تناقلها الرواة وأصحاب السير، وقال عنها ابن كثير في البداية والنهاية: «وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا». فعن خالد بن خنيس الخزاعي صاحب رسول الله صلى الله علية وسلم : «أن رسول الله صلى الله علية وسلم حين خرج من مكة، وخرج منها مهاجراً إلى المدينة، هو وأبو بكر رضي الله عنة ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة رضي الله عنة ودليلهما الدؤلي من قبيلة كنانة عبد الله بن أريقط، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة (كبيرة في السن لا تحتجب) جلدة (قوية وعاقلة) تحتبي (تجلس) بفناء القبة ثم تسقي وتطعم، فسألوهما لحماً وتمراً، ليشتروه منها، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك، وكان القوم مُرْمِلين (نفد زادهم) مسنتين (داخلين في أسنة وهى المجاعة) فنظر رسول الله صلى الله علية وسلم إلى شاة في كسر الخيمة(أي جانب الخيمة) فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد؟» قالت: خلفها الجهد عن الغنم، قال: «فهل بها من لبن؟» قالت: هي أجهد من ذلك، قال: «أتأذنين أن أحلبها؟» قالت: بلى بأبي أنت وأمي، نعم، إن رأيت بها حلباً فاحلبها.
فدعا بها رسول الله صلى الله علية وسلم فمسح بيده ضرعها، وسمي الله عز وجل، ودعا لها في شاتها، فتفاجت (فتحت ما بين رجليها للحلب) عليه، ودرت واجترت ودعا بإناء يُرْبِض(يسقيهم) الرهط، فحلب فيها ثجا (لبنا كثيرا سائلا) حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، وشرب آخرهم صلى الله علية وسلم ثم أراضوا(ارتوا)، ثم حلب فيها ثانياً بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها، ثم بايعها، وارتحلوا عنها.
وصف النبى صلى الله علية وسلم: فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هُزلا(يتمايلن)ضحى، مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد، والشاة عازب حيال (لا تحمل) ولا حلوبة في البيت؟ قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا، قال: صفيه لي يا أم معبد. قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة (الجمال)، أبلج الوجه (مضيء) حسن الخلق، لم تعبه نحلة (ليس نحيل) ولا تزر به صعلة (صغر الرأس) وسيم، في عينيه دعج (شديد السواد شديد البياض). وفي أشفاره وطف(طول الرموش). وفي صوته صهل (ليس حاد الصوت) وفي عنقه سطع (طول العنق) وفي لحيته كثاثة، (أي لحيته كثيفة). أزج (دقيق شعر الحاجبين مع طولهما)، أقرن (متصل ما بين حاجبيه من الشعر)، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما (علا برأسه أو بيده وارتفع) وعلاه البهاء. أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصل لا هذر ولا نزر(لا كثير الكلام ولا قليله)، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربع(ليس بالطويل وليس بالقصير) لا يأس من طول ولا تقتحمه العين من قصر غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود(مخدوم)، محشود(يجتمع الناس حوله)، لا عابس ولا مُفنَّد (ليس منسوب إلى قلة العقل). قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلاً. وقد روي أنها كثرت غنمها، ونمت حتى جلبت منها جلباً إلى المدينة، فمر أبو بكر، فرآه ابنها فعرفه، فقال: يا أمه هذا الرجل الذي كان مع المبارك، فقامت إليه فقالت: يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟ قال: أو ما تدرين من هو؟ قالت: لا، قال: هو نبي الله، فأدخلها عليه، فأطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها. وفي رواية: فانطلقت معي وأهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من أقط ومتاع الأعراب، فكساها وأعطاها، قال: ولا أعلمه إلا قال: وأسلمت، وذُكر أنها هاجرت هي وزوجها وأسلم أخوها خنيس واستشهد يوم الفتح.
[عدل] قصة لحاق سراقة بن مالك بالرسول صلى الله علية وسلم وأبي بكر الصديق عند الهجرة بوادي قديد