اللغة العربية هي إحدى اللغات العالمية الخمسة، وتتجلى عظمتها أنها لغة القرأن الكريم التي قال فيها:
(إنَّا أنزلناهُ قرآناً عربياً لقومٍ يعقلون).
وهيَ لغة الضاد التي قال فيها المتنبِّي في معرض الفخر بأجداده:
وبهم فخر كل من نطق الضــا **دَ وعوذ الجاني وغوث الطريد
ولكنَّ اللهجة العامية طغت على ألسنِ الناسِ، حتَّى أنَّنا وجدنا البعض ممن هو من بني جلدتنا قد دعا البعض إلى إلغاء التكلم باللغة الفصحى.
إنَّ ما يميز اللغة العربية عن اللغات العالمية الأخرى هو قدرتها على التعبير بمخارج حروفٍ ليست موجودة في لغات عالمية أخرى مثل حرف الضاد، وهي التِي وحدتِ العرب عبر تاريْخهم الطويل، وكانت قديماً لغة الحضارة عبر الأزمانِ والآبادِ.
ورغم كل مميزات اللغة العربية الفصحى وأهميتها فإننا نجد البعض مازال مصراً على إلغاء التكلم باللغة العربية الفصحى أو الكتابة بها، وبل يدعو مراراً وتكراراً إلى التحدث عبر شاشات التلفاز باللهجة العامية، بدعوى أنها لغة التراث والأصالة، وهذه الدعوات المشبوهة انتشرت بشكل كبير في لبنان ومصر والجزائر.
إن اللهجة العامية ليست لغةً بل هي طريقة شعبية أو أسلوب للتعبير عند الشعوب، أو لهجة تطورت مع الزمن واختلاط الشعوب العربية بغيرها نتيجة التجارة أو نتيجة استعمار بعض الدول للشعوب والدول الأخرى، حيث دخلت العديد من المصطلحات الأجنبية عند هذه الشعوب حتى غدت لغة التداول اليومية، كما يرجع أيضاَ تشكل اللهجة إلى تطور المجتمعات البشرية عبر العصور.
رغم كل هذه المبررات للهجة المحلية، لكنها لا يمكن أن تحلَّ - ولا بشكلٍ من الأشكالِ - مكان اللغة الأم، لأن اللهجات أشبه بفروع الشجرة التي تنتهي بالشجرة الأصلية وهي اللغة الأم الأصلية، التي يجب أن نحتفظ بها ونصونها لا أن ندعو إلى إلغائِها كما يحلو للبعض أن يتفوه ويتشدق، ففي الوقت الذي نلاحظ فيه تمسك الأوربي الشديد بلغته الأم رغم تعلمه عدة لغات نجد أن البعض من العربِ يدعو إلى إلغائِها وجعل اللهجة العامية مكانها، ومما زاد الوضع سوءاً هو أستخدام اللهجة العامية في دبلجة المسلسلات الأجنبية المستوردة مثل المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة السورية والمسلسلات الأخرى المدبلجة باللهجة اللبنانية أو المصرية، وما إلى ذلك من لهجاتٍ.
ومن المستغرب تمسك البعض باللهجات العربية بحجة أنها دليل الأصالة والتراث، إلى حد أن البعض أعتبرها دليل القومية والوطنية والذين بالغوا في مدح لهجاتهم وإضفاء المصطلحات الغربية، حتَّى أخذ بعضهم يطالب بإلغاء الكتابة بالحروف العربية والكتابة بأحرف لاتينيةٍ، ناسين أو متناسين أن العربي هو من تكلم اللغة العربية وآمن بالوحدة العربية سبيلاً لتقارب العرب، وهل تنهض الوحدة إلا بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ.
وطبعاً من المعروف أن سبب شيوع اللهجات العامية التي دخلت فيها المصطلحات الأجنبية، هو ضعف أهتمام الحكومات العربية باللغة العربية الفصحى وعدم توجيه أبنائِها إلى الاهتمام بتلك اللغة وعظمتها وأصالتها ووجوب تعليم قواعدها للأجيال، باستثناء بعض الدول والحكومات العربية مثل الجمهورية العربية السورية التي وصل اهتمامها باللغة العربية أنها جعلت اللغة العربية هي المادة الوحيدة التي ترسب وحدها في الفصول الانتقالية والشهادات في المدارس والمعاهد.
إنَّ لغتنا العربية في خطرٍ، ويتوجب على الحكومات العربية أن تعي هذا الخطر وأن تسعى للاهتمام باللغة العربية الفصحى، ووجوب التكلم بها والكتابة في المدارس وفي الجامعات وفي المراكز الرسمية وفي برامج التلفاز لتعزز الاهتمام بتلك اللغة الأصيلة وتمنع تسرب الأفكار والمصطلحات الغربية لدى شبابنا والتي تهدد بزوال لغتنا إلى الأبد.