السلوك المناطقي
تعتبر الفهود، وبشكل خاص الذكور منها، أكثر السنوريات حبًا للاجتماع بعد الأسود. تعيش الذكور من ذات البطن مع بعضها البعض في مجموعات طيلة حياتها، وبحال حوى البطن ذكرًا وحيدًا، فإن هذا الأخير سوف يُشكل ثنائيًا مع ذكر وحيد آخر، أو مجموعة مع ذكرين، وفي بعض الأحيان تنضم ذكور وحيدة إلى مجموعة مكونة من بضعة أشقاء، بحال تقبلت الأخيرة ذلك. يُطلق على مجموعة الفهود تسمية "حلف" أو "تحالف"، وفي دراسة لفهود السيرينگتي من سنة 1987، تبين أن 41% منها يعيش منفردًا، 40% يعيش في أزواج، و 19% يعيش في مجموعة من 3 أفراد.[45]
فهد يقوم بتعليم حدود حوزه عن طريق رش بوله على جذع شجرة يابسة.
تُعد فرصة تحالف الذكور بالاستيلاء على حوز خاص بها أكبر بست مرّات من فرصة الذكر المنفرد، إلا أن الدراسات أظهرت أنه على الرغم من ذلك، فهكذا مجموعة لا تقدر أن تسيطر على حوزها لفترة أطول من تلك التي يُسيطر فيها ذكرًا منفردًا على حوزه، أي لحوالي 4 سنوات. يمكن لحوز الأنثى أن يبلغ مساحةً شاسعة، لذا يصعب على الذكور السيطرة على منطقة تضم حوز عدد من الإناث لاستحالة الدفاع عن حدودها ضد الذكور الأخرى، وعوضًا عن ذلك يقوم الذكر بالسيطرة على المنطقة التي تلتقي فيها بضعة أحواز تعود لإناث مختلفة، مما يزيد من فرصته للتناسل ودرء الخطر عن حدود منطقته. تتأثر مساحة حوز الفهد ببضعة عوامل، منها: نسبة الموارد المتاحة والتي تعتمد عليها هذه الحيوانات للبقاء، فكلما كانت هذه النسبة قليلة كلما قلّت مساحة الحوز والعكس صحيح، لذا يُلاحظ أن مساحة أحواز الفهود في أفريقيا تتراوح بين 37 و 160 كيلومترًا مربعًا (بين 14 و 62 ميل مربّع)،[46] ومن الموارد التي تعتمد الفهود عليها للبقاء: عدد كاف من الطرائد الصغيرة والمتوسطة الحجم، إضافةً لبعض السهول المنبسطة حيث تستطيع مطاردة فريستها والهرب من المفترسات الأخرى بسرعة فائقة إن لزم الأمر، فقد أظهرت بعض الدراسات أن مساحة حوز الفهود في أحراج جنوب أفريقيا تصل إلى 34 كيلومترًا مربعًا (13 ميلاً مربعًا)، أما في سهول ناميبيا وصحاريها، فقد تصل إلى 1,500 كيلومتر مربع (580 ميلاً مربعًا).[46] ومن العوامل الأخرى المؤثرة في مساحة الحوز، نسبة الضواري الأكبر حجمًا في المنطقة، فكلما كان عدد النمور والأسود والضباع وسعادين الربّاح مرتفعًا، كلما انخفض عدد الفهود، ذلك أن تلك الضواري تقدم على الفتك بالفهود وجرائها كلما سنحت لها الفرصة، وبحال كان عددها منخفضًا فإن عدد الفهود يكون مرتفعًا بالمقابل، فقد لوحظ أنه في بعض أنحاء أفريقيا الشرقية حيث أبيدت المفترسات الضخمة، أصبح بالإمكان رؤية مجموعات ضخمة من الفهود يتراوح عدد أفرادها بين 14 و 19 فهدًا.[23][47]
فهدة وجرائها في محمية فوهة نگورونگورو بتنزانيا.
تُعلّم الذكور حدود حوزها عبر رش بولها على الأشجار والصخور وتلال النمل الأبيض، وبحال كانت تُشكل حلفًا، فإن جميعها تقدم على رش البول لتزيد من قوّة رائحته وعبقه ولتُعلم الذكور الأخرى بوجودها. وذكور الفهود حيوانات مناطقية تدافع عن حدود حوزها بشراسة، وهي تستميت غالبًا في ذلك لدرجة أن أي نزاع مناطقي بينها غالبًا ما ينجم عنه موت أحد الطرفين أو إصابته إصابة بالغة.
تعتبر إناث الفهود فريدةً بين جميع السنوريات، إذ أنها لا تسيطر على حوز خاص بها، بل تبقى ضمن نطاق جغرافي معين يُطلق عليه تسمية الموطن أو الإقليم، يتقاطع مع ذلك الخاص بإناث أخرى غالبًا ما تربطها بها صلة دموية، كأن تكون بناتها أو شقيقاتها أو والدتها. تصطاد الإناث بمفردها على الدوام ولا تتعاون مع إناث أخرى على إسقاط أي طريدة، والحالة الوحيدة التي تصطاد فيها أنثى مع فهود أخرى، هي عندما ترافقها جرائها لتتعلم الصيد.