سيدنا جبريل
الحمد لله رب العالمين له النعمة و له الفضل و له الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم و الملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين و على جميع إخوانه النبيين و المرسلين و سلام الله عليهم أجمعين.
قال الله تبارك و تعالى في حق جبريل عليه السلام :﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾، علّمه معناه علّم محمداً شديد القوى أي جبريل ذو مرة ٍ قال تعالى: ﴿ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾ في وصف جبريل أي ذو شدة في خلقه فاستوى ﴿ وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى﴾ الله تعالى وصف جبريل بأنه ذو قوة و ذلك لأنه قلب بالقوة التي أعطاه الله إياها قرى قوم لوط ٍ، أربع مدن أو خمس مدن قلبها أمره الله بإهلاكهم لأنهم كذبوا نبيه و فعلوا تلك الفعلة الخبيثة جمعوا بين الكفر و تلك الفعلة الخبيثة فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام بأن يقلب عليهم أرضهم، قلع أرضهم و رفعها إلى السماء بجناحه، بجناحه رفع تلك المدن الأربعة أو الخمس إلى السماء ثم قلبها فماتوا و لم ترى جثثهم على وجه الأرض لأنهم نزلوا إلى أسفل. لهذا قال الله تعالى فيه ﴿ ذُو مِرَّةٍ ﴾ٍ أي خلقته شديدة هو جبريل عليه السلام بمفرده لو أمره الله تعالى أن يزيح جبال الدنيا هذه كلها لأزاحها. و هذه الريح التي ليس لها روح إذا سلطها الله تعالى على قوم من عباده تهلكهم. فهؤلاء، قوم عاد، كانوا قبل قوم لوط. سيدنا لوط هو إبن أخي إبراهيم عليهما السلام، قبل ذلك أيام هود لما كذبت الكفار هوداً الله تبارك و تعالى أنزل عليهم بأسه و نقمته و سلط عليهم الريح العقيم هذه الريح أخذتهم إلى الهواء ثم ردتهم، فصاروا كالنخل المنقعر أي النخل الذي قطع من أصله، فماتوا أهلكهم الله من هذه الريح. والريح ليس لها روح لكن الله تعالى جعل فيها قوة فكيف جبريل الذي له روح؟ و كذلك غيره من الملائكة.
ثم أخبرنا الله تبارك و تعالى عن جبريل بأنه استوى بالأفق أي أنه ظهر لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم بصورته الأصلية، صورة جبريل الأصلية صورة ملكية ذات ستمائة جناح ليست كجناح الطيور التي نعهدها جناحه يسد ما بين السماء و الأرض من عظم خلقته لما يكون على صورته الأصلية فظهر له بصورته الأصلية و كان الرسول صلى الله عليه و سلم طلب منه أن يراه في صورته الأصلية لأنه قبل ذلك ما كان يراه على تلك الصورة كان يأتيه جبريل يقرأ عليه القرءان أو يكلمه بالوحي الذي هو غير القرءان فيسمع عنه فيحفظ الرسول ما قرأ عليه، ثم طلب منه ذات يوم لما كان بمكة قبل الهجرة و قبل ليلة المعراج أن يراه بصورته الأصلية قال له جبريل: سل ربك أطلب من الله، فدعا الله رسول الله أن يريه جبريل في صورته الأصلية فظهر له بتلك الصورة التي لها ستمائة جناح فغشي على رسول الله لأن منظره شىء هائل ثم أفاق و كان هذا بمكة، ثم بعد ذلك أيضاً ليلة المعراج رآه بتلك الصورة لكنه في المرة الثانية لم يغشَ عليه بل ثبت على حالته الطبيعية ثم كان ذلك أي رؤيته لجبريل في السماء عند سدرة المنتهى هذه سدرة المنتهى شجرة و السدر موجود في الأرض لكن فرق كبير بين السدر الذي في الأرض عندنا و بين تلك السدرة من حيث عظم الخلقة و من حيث جمال المنظر، الرسول عليه الصلاة و السلام قال: فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها، معناه شىء يبهر الأنظار من حسنها من الصفات التي خلقها الله تعالى عليها هي سدرة هنا في الدنيا موجود لكن هذه حبها كحبة البندق صغير حبها و يؤكل و نواها قاس مستدير صلب مستدير نواها أما تلك التي في الجنة ورقها الرسول صلى الله عليه و سلم قال عنه: كآذان الفيلة، أما هذه التي في الدنيا عندنا ورقها صغير بالنسبة لتلك، و أما حبها الذي يؤكل فقال عنه عليه الصلاة و السلام كالقلال و القلال هي الجرار أي كالجرار في عظمها، أهل الجنة لما يكونون في الجنة أجسامهم ليست كحالها اليوم يكون أحدهم ستين ذراعاً طولاً و سبعة عرضاً على هذه النسبة بمناسبة الجسد أكفهم تكون كبيرة و أقدامهم تكون كبيرة على ما يناسب طول الجسم، الله تبارك و تعالى إمتن على سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام بالمعراج أي العروج إلى سدرة المنتهى ثم إلى ما فوق ذلك إلى حيث شاء الله و ذلك ليريه عجائب الملكوت الأعلى حتى يزداد يقيناً بربه و إجلالاً و تعظيماً لأنه لما يرى تلك العجائب يزداد تعظيماً لله، هذا المقصود من المعراج.
و زاده تشريفاً بأن أسمعه كلامه الذي لا يشبه كلام الخلق الذي ليس حرفاً و لا صوتاً بعد أن تجاوز سدرة المنتهى و أراه ذاته لكن رؤيته ذات الله و سماعه كلامه لم يكونا في ءان واحد بل الرؤية في ءان أي وقت و سماع كلامه تعالى في وقت فذلك المكان الذي كان وصل إليه الرسول هو مكان الرسول في ذلك الوقت هو الرسول كان متحيزاً هناك أما الله تبارك و تعالى فهو موجود بلا مكان لا يجوز عليه أن يكون له حيز و لا يجوز عليه أن يكون له حد كما هو مذكور في كتاب أبي جعفر الطحاوي قال: تعالى عن الحدود و الغايات و الأركان و الأعضاء و الأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، الله تبارك و تعالى لا يجوز عليه أن يكون له مساحة، كل شىء من الأجرام أي من الأجسام له مساحة الإنسان له مساحة، و النملة لها مساحة على حسب حالها و البقة كذلك لها مساحة إنما الله تبارك و تعالى هو الذي لا مساحة له لا تجوز عليه المساحة لا يدخل الله تعالى الحد و المقدار لأن الشىء الذي يدخله الحد و المقدار لا بد أن يكون محتاجاً لمن جعله على هذا الحد و المقدار فإن قال قائل هو جعل نفسه هكذا هو أوجد نفسه على مساحة بقدر العرش أو تزيد على العرش ضعفاً أو ضعفين أو ألفاً أو ألافاً عديدة يقال له كيف يخلق الشىء نفسه؟ على قولك الله تصرف في ذاته هو أوجد نفسه في جرم يكون على هذه المساحة هذا العقل لا يقبله، الشىء لا يخلق نفسه، فالله تبارك و تعالى يجب أن يكون منزهاً عن المساحة لأن الذي له مساحة يكون مخلوقاً لأنه محتاج إلى من جعله على تلك المساحة المساحة معناها الكمية كمية الإمتداد يقال له المساحة كما يقال مساحة هذه الأرض كذا كذلك كل الأجرام مهما صغرت لها كمية كل الأجرام كبارها و صغارها العرش له حد يعلمه الله و إن كان ليس في مستطاع البشر أن يمسَحوه من أوله إلى ءاخره.
فربنا تبارك و تعالى موجود لا كالموجودات، الله موجود لا كالموجودات. موجود معناه ليس معدوماً أي هو متصف بالوجود الأزلي الأبدي أي الوجود الذي لا إبتداء له لم يسبقه عدم و لا يلحقه عدم، لا يقال متى وجد الله ، الذي يقول متى وجد الله فهو كافر لأنه جعله مخلوقاً المخلوق يقال فيه متى وجد أما الله تعالى الذي ليس لوجوده إبتداء لا يقال متى وجد؟ لا إله إلا هو، الذي يقول متى وجد؟ جعل الله مخلوقاً حادثاً لأن هذه المخلوقات لم تكن هذه الأرض التي تحملنا و نعيش عليها لم تكن موجودةً في الأزل كذلك هي هذه السماوات التي هي سقف الأرض الله تعالى سمى السماء سقفاً محفوظاً، السماء أجرام صلبة كما أن أرضنا هذه جرم صلب كذلك السماء جرم صلب، الله تبارك و تعالى خلق الكواكب و خلق فوق الكواكب السماء الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة، هذه الكواكب النيرات الظاهرات للبشر و اللاتي هن خفيات كل هذه بالنسبة إلى السماء جرم صغير، هذه السماء الأولى التي بعدها ست سماوات و بين كل سماء و سماء مسافة شاسعة بعيدة هذه الأولى وحدها سعتها شىء لا يعلمه إلا الله إمتدادها أوسع من أرضنا هذه بمرات عديدة، هذه السماء الأولى فيها باب خلقه الله تعالى للتوبة اي تصعد الملائكة ملائكة الرحمة بتوبة التائبين، كلما تاب إنسان من الذنوب يصعدون بهذه التوبة من ذلك الباب، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذا الباب باب التوبة :" مسيرة عرضه سبعون سنة" و القمر ليس ضمن السماء و لا الشمسُ و لا زحل ولا أي كوكب و لا أي نجم داخل السماء أو فوق السماء إنما هذا القمر والشمس و الكواكب و النجوم كلها تحت السماء الأولى التي فيها هذا الباب و فوق ذلك ما هو أعظم منها السماء الثانية إلى السابعة ثم بعد ذلك الكرسي ثم بعد ذلك العرش كذلك يوجد تحت هذه الأرض ست أراض كل واحدة منفصلة عن الأخرى واقفة في الفضاء بقدر الله تعالى الله تعالى يمسكها بقدرته الله تبارك و تعالى يحفظ هذا العالم من غير مباشرة أي من غير مس الله لا يَمَس و لا يُمَس خلق العالم من غير معالجة و مباشرة ليس مثل العباد ، العباد إذا أرادوا أن يعملوا شيئاً يمسكون الشىء بأيديهم يتحركون نحوه و يمسكونه بأيديهم أو يمسكون الآلة ثم الآلة تتصل بذلك الشىء الذي يعملونه أما الله تبارك و تعالى ليس هكذا، الله شاء في الأزل و علم و قدر ما حدث، الله تعالى منزه عن الكيفية لا يوصف بصفة من صفات البشر قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رضي الله عنه و من وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر، معنى هذه الجملة أمر عظيم أي أن الذي يعتقد في الله تعالى أن فيه صفة من صفات البشر فهو كافر الذي يعتقد في الله تعالى صفة من صفات البشر كالحركة و السكون أو التطور أو التغير أو الزيادة أو النقصان أو التأثر أو الإنفعال الذي يعتقد في الله شيئاً من هذا فهو كافر، لسنا نحن أول من قال هذا، هذا الإمام أبو جعفر الطحاوي الذي قال هذا الكلام مضى على وفاته ألف و مائة سنة و زيادة ليس شيئاً جديداًً، هؤلاء الجهال الذين ما تعلموا تنزيه الله يستغربون يقولون هذا شىء جديد، نحن نعلم ما سبقنا به أئمة الهدى الذين كانوا قبل ألف سنة و الذين بعد ذلك إلى عصرنا هذا، الذي يصف الله بصفة من صفات البشر ما عرف الله فلا يظن نفسه أنه مؤمن مسلم هذا يجب عليه أن يغير إعتقاده فيقول الله تعالى موجود لا كالموجودات منزه عن الكيفية و الكمية و الحركة و السكون و التطور و التغير و الانفعال و التأثر، الله تبارك و تعالى إذا اطاعه عبده لا ينفعل كما نحن ننفعل إذا رأينا من إنسان خدمة جليلة الله مهما أطاعه المؤمنون لا ينفعل لطاعتهم كذلك إن عصاه الكافرون و العصاة من المسلمين لا ينفعل لا يتأثر إنما له صفات أزلية أبدية منها الرضا و الغضب ليس إنفعالاً كرضانا نحن رضانا إنفعال و غضبنا إنفعال أما رضا الله فليس انفعالاً و غضبه ليس انفعالاً، ثم إن رأيتم إنساناً يتوهم أن الرسول عرج به حتى يلقى الله بمكان هو مركزه و حيزه فقولوا له هذا جهل بالله تعالى الله لو كان له مكان لكان له أمثال ملائكة العرش يعيشون في العرش وملائكة السماء الأولى و ملائكة السماء الثانية و ملائكة السماء الثالثة و الرابعة إلى السابعة يعيشون في هذه السماوات ، من كثرتهم سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم قال:" ما في السماوات موضع كف و لا شبر و لا ذراع إلا و فيه ملك قائم أو راكع أو ساجد، فهي مشحونة بالملائكة ليست السماوات كأرضنا هذه أرضنا هذه القسم الأكبر منها فراغ و بحور البشر الذين يعمرونها و الجن الذين يعمرونها ما أخذوا من الحيز إلا أقلها إلا أقل أجزاء الأرض أما السماوات ما فيها موضع شبر إلا و فيه ملك، فالله تبارك و تعالى لو كان له مكان لكان مثل هؤلاء الملائكة و هو تبارك و تعالى قال:﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، نفى عن نفسه المشابهة معناه أنه لا يشبه شيئاً أي لا إنساناً و لا جناً و لا ملائكةً و لا شمساً و لا قمراً و لا غير ذلك من النيرات و لا ماءً و لا هواءً و لا روحاً و لا شيئاً غير ذلك لا يشبه الله شيئاً هو أخبر بذلك بقوله :﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ لذلك هؤلاء يجب تعليمهم أن ما يظنونه أن الرسول عرج به إلى السماء السابعة و ما بعدها إلى أن وصل إلى المكان الذي رأى الله فيه بعدما وصل إليه و سمع كلامه لأن الله كان مركزه هناك فهذا جهل بالله و ضلال هؤلاء يعلمون و إلا يموتون على غير الإسلام إن ماتوا قبل أن يعرفوا تنزيه الله و هم على ذلك الإعتقاد الفاسد يموتون على غير الإسلام فتعليمهم واجب، من شدة الجهل قال بعضهم سيدنا محمد إقترب من الله بمسافة مثل مسافة ما بين هذا الحاجب و هذا الحاجب و العياذ بالله من أين أتوا بهذا الكلام الفاسد؟ قالوا صار ما بينهما كما بين الحاجب و الحاجب، هكذا حرفوا كتاب الله تعالى الله أليس قال في القرءان ﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ هذا هم فسروه فقالوا الله نزل من أعلى بالحركة و الانتقال حتى صار ما بينه و بين سيدنا محمد من المسافة كهذه من هذه ما هذا الجهل شبهوا الله بخلقه، و كذلك الذين يقولون إن الله جالس على الكرسي او على العرش و ترك لسيدنا محمد مكاناً يجلسه فيه يوم القيامة و هذا من أجهل الجهل و هذا تكذيب للآية القرءانية فمعنى ﴿ثم دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ دنا جبريل من محمد فتدلى أي جبريل و إقترب من محمد حتى صار ما بينه و بين الرسول قدر ذراعين أو أقل، فهذا هو الحق، و سبحان الله و بحمده و الحمد لله رب العالمين.