عهد الانتعاش والوضع الحالي
طالع أيضا :أدب مهجري
أمين الريحاني، أحد أدباء المهجر الذين ساهموا في انتعاش اللغة العربية خلال أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
بعد أن سيطر على اللغة العربية شيءٌ من الركود طيلة ما يقرب من 400 سنة، أخذت في أواخر القرن التاسع عشر تشهد بعض الانتعاش. تجلّى هذا الانتعاش بنهضة ثقافية في بلاد الشام ومصر بسبب ازدياد نسبة المتعلمين وافتتاح الكثير من المطابع التي قامت بتجميع الحروف العربية، ونشرت الصحف الحديثة بهذه اللغة لأول مرة، كذلك ظهرت عدّة جمعيات أدبيّة وأدباء وشعراء كبار ساهموا في إحياء اللغة العربية الفصحى، ومن هؤلاء: أحمد شوقي الملقب بأمير الشعراء، الشيخ ناصيف اليازجي، المعلّم بطرس البستاني، أمين الريحاني، وجبران خليل جبران.[28] وقد أسس هؤلاء الأدباء القواميس والمعاجم الحديثة مثل دائرة المعارف وقاموس محيط المحيط، ووفروا مؤلفات فيّمة في مختلف فنون المعرفة، بعد أن ترجموا واقتبسوا روائع الفكر الغربي، كذلك يسّر الأدباء العرب في تلك الفترة اللغة العربية وقواعدها، فوضعوا لها المعاجم الحديثة التي لا تزال متداولة حتى الآن، وتأسست الصحافة العربية لتعيد إحياء الفكر العربي وتوقظ القرّاء على أخبار بلادهم المحلية والأخبار العالميّة.[28] ومن أبرز المدارس الفكرية العربية التي برزت في ذلك العهد مدرسة أدب المهجر، وهو الأدب الذي أنشأه العرب الذين هاجروا من بلاد الشام إلى أمريكا الشمالية والجنوبية، وكونوا جاليات عربية، وروابط أدبية أخرجت صحفًا ومجلات تهتم بشؤونهم وأدبهم، وأنشأ أتباعها عدّة نقابات أبرزها الرابطة القلمية.[29]
يُلاحظ أن هذا الانتعاش للغة العربية كان انتعاشًا في الحقل الأدبي فحسب، أما في الحقل العلمي فلم تلعب اللغة العربية دورًا كبيرًا كما في السابق، ولم تكن في أغلب الأحيان إلا لغة تلقين مواد علمية في بعض المدارس والجامعات، وقد تراجع دورها هذا بشكل كبير حتى، خصوصًا بعد نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي في أواخر القرن العشرين، واتجاه العالم نحو نظام الكون الواحد، حيث انتشرت اللغة الإنكليزية في أغلب الدول العربية، وغدا الكثيرون يتكلمونها كلغة ثانية، خصوصًا بعد أن أصبحت هي لغة العلم والتجارة المتداولة.
يتحدث العربية اليوم أكثر من 422 مليون نسمة،1 ويتوزع متحدثوها بشكل رئيسي في المنطقة المعروفة باسم الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة له كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا. كما أنها تُدرّس بشكل رسمي أو غير رسمي في الدول الإسلامية والدول الإفريقية المحاذية للوطن العربي، إلا عدد اللغات التي تستخدم الأبجدية العربية تراجع بعض الشيء، كون عدد من الدول مثل أذربيجان وتركيا عدل عن استخدام تلك الأبجدية واستعاض عنها بالحروف اللاتينية.
اللهجات العامية والفصحى
تعدد اللهجات كان موجودا عند العرب من أيام الجاهلية، حيث كانت هناك لهجة لكل قبيلة من القبائل. وقد استمر الوضع هكذا بعد مجيء الإسلام. ومن أبرز الأسباب التي أدّت لولادة لهجات عربية مختلفة في القِدم هو أن العرب كانوا في بداية عهدهم أميين لا تربطهم تجارة ولا إمارة ولا دين، فكان من الطبيعي أن ينشأ من ذلك ومن اختلاف الوضع والارتجال، ومن كثرة الحل والترحال، وتأثير الخلطة والاعتزال، اضطراب في اللغة كالترادف، واختلاف اللهجات في الإبدال والإعلال والبناء والإعراب.[23] ومن أبرز اللهجات والألفاظ: عجعجة قُضاعة أي قلب الياء جيمًا بعد العين وبعد الياء المشددة، مثل راعي يقولون فيها: راعج. وفي كرسي كرسج، وطمطمانية حِمْير وهي جعل "إم" بدل "أل" في التعريف، فيقولون في البر: أمبر، وفي الصيام أمصيام، وفحفحة هذيل أي جعل الحاء عينًا، مثل: أحل إليه فيقولون أعل إليه، وعنعنة تميم وهي إبدال العين في الهمزة إذا وقعت في أول الكلمة، فيقولون في أمان: عمان، وكشكشة أسد أي جعل الكاف شينًا مثل "عليك" فيقولونها: "عليش"، وقطْعةِ طيئ وهي حذف آخر الكلمة، مثل قولهم: يا أبا الحسن، تصبح: يا أبا الحسا، وغير ذلك مما باعد بين الألسنة وأوشك أن يقسم اللغة إلى لغات لا يتفاهم أهلها ولا يتقارب أصلها.[23]
وقد كان التواصل بين أفراد القبيلة الواحدة يَتم بواسطة لهجتها الخاصة، أما عندما يَخطب شخص ما أو يَتحدث إلى أشخاص من قبائل أخرى فيستعمل حينها اللغة الواحدة المشتركة. وقد استمر الوضع هكذا بعد مجيء الإسلام. ويُرجح أن العامية الحديثة بدأت حين الفتوحات الإسلامية، حيث أن المسلمين الجدد في بلاد الأعاجم (والتي أصبح العديد منها اليوم من البلدان العربية) بدؤوا بتعلم العربية لكنهم - وبشكل طبيعي - لم يَستطيعوا تحدثها كما يتحدثها العرب بالضبط، وبالتالي فقد حرّفت قليلاً. وفي ذلك الوقت لم يَكن الفرق واضحاً كثيراً، لكن بالتدريج حرفت العربية وتغيرت صفاتها الصوتية وتركيب الجمل فيها إلخ.. حتى تحوّلت إلى اللهجات العامية الحديثة.