عن طريق الصدفة اكتشف عالم الاحافير فيليب خينكريخ Phillip Gingerich في باكستان سنة 1975 احفورا فريدا عندما كان يبعث عن احافير للثديات القديمة وهو لم يكن يبحث عن احافير الحيتان, وتم اكتشاف هذا الحفور عندما كانوا يحفرون في طبقات صخرية ترجع إلى 50 مليون سنة تقريبا قبل الآن, وكان الاحفور هذا عبارة عن اجزاء غريبة وصغيرة من الجمجمة, الانطباع الأولي كان ان ذلك الاجزاء ترجع إلى حيوان منخفض الذكاء جداً, لان فوق الجمجمة كان يمر رابط جسري ترتبط بواسطته عضلات الفكّ وهذه التركيبة لم تعطي مجالا لزيادة حجم الجمجمة.
في المختبر تم اجراء فحوصات دقيقة على الاجزاء المكتشفة. من الجمجمة الاصلية تم فقط العثور على اجزاء قليلة منها, الجزء الخلفي من الجمجمة وجزء للفك السفلي مع عدة اسنان. إذا فيّمت الحيوان من خلال شكل قمة اسنانه تقول ربما هو حيوان من عائلة ميزونايخيا Mesonychia وهذه عبارة عن صنف من الحيوانات ذات الحوافر الآكلة للحوم. لكن العالم Gingerich اكتشف على جهة من رأسه عظمة شبيه بحبة عنب وعظمة أخرى على شكل حرف S وهذا ينهي الجدل حول اصل الحيوان لانّ الحيوان الوحيد الذي له هاتين العظمتين هو الحيتان الحالية والحيتان الاحفورية إذا فقد ثبت وبشكل قاطع ان هذا الحيوان هو الجدّ الأكبر للحيتان الحالية. وقد سمّى الاحفور بباكيسيتس Pakicetus (اي الحوت الباكستاني). آذانه يشبه آذان الحيتان لكنها لها مميزات أخرى غريبة، إذ ان الحيتان تحت سطح الماء يمكنهم معرفة اتجاه الاصوات القادمة لان آذانهم تقع في تركيبة عظمية مغلقة موجودة بشكل عائم في نسيج من الرغوة Foam والاُطيْرات ومنفصل عن عظام الجمجمة لذلك كانوا يستقبلون الاصوات فقط من الخلال الفكّ. لكن العظمة الثلاثة لباكيسيتس Pakicetus الشبيهة بحبة العنب ترتبط بالجمجمة ارتباطا وثيقا. كان Pakicetus بإمكانه ربما السماع تحت سطح الماء بشكل لا بأس به لكن كانت هناك تسرّبات لترددات الاجزاء العظمية الرابطة (ذكرناها اعلاه) لذلك كانت تلك الترددات تعيق Pakicetus من معرفة اتجاه الصوت القادم. الحيتان الحالية عندما يغطسوا إلى الاعماق يقومون بملأ الفجوات حول آذانهم بكمية من الدماء لحماية آذانهم من ضغط الماء العالي في الاعماق. جمجمة Pakicetus كان لا تحتوي على تلك الفجوات والآلية لفعل ذلك لذلك نستنتج بان Pakicetus لم يكن قادرا على الغطس العميق. ان Pakicetus كان حوتا يسبح بصعوبة في الأنهار غير العميقة وليس في البحار لانه لم يكن يجيد الغطس بطريقة جيدة بالإضافة إلى مشكلة السمع تحت الماء. إذا هذا الحيوان باختصار له صفات واجزاء فقط موجودة في الحيتان لذلك هي جدّ الحيتان الحالية قبل ملايين السنين من الآن.
بعد ذلك قام العالم Gingerich(بالبدأ عن البحث عن الفجوات في تطور الحيتان. قام العالم Gingerich مع مجموعته في سنة 1983 و 1985 في مصر بالحفر والتنقيب في ما يسمى بوادي الحيتان وهذا الوادي هو بصراحة منطقة صحراوية جرداء مليئة ببقايا الحيتان القديمة جدا. وتمكنوا تقريبا من اكتشاف جمجمة حوت كل يوم لكثرتها وتمكنوا من العثور على 349 بقايا احافير الحيتان. بعض الجماجم كان للباسيلوسورس Basilosaurus ولكن أغلبها كانت لنماذج من الحيتان الصغيرة دورودون ئاتروكس Dorudon atrox, وادي الحيتان مليئة ببقايا الحيتان لان في زمن العصر الفجري Eocene كان يمثل قاع محيط يسميها العلماء الاحافير ببحر تيثاي Tethyssea هذا البحر كان يفصل أفريقيا عن آسيا وكان يربط المحيط الهندي بالمحيط الاطلسي، البحر الأبيض المتوسط هو من بقايا ذلك البحر, ووادي الحيتان كان حينها هور أو بحيرة كمحمية بيئية كانت تعيش فيها سمك القرش, السلحفاة, بقر البحر وحيوانات أخرى بحرية. تلك البحيرة (هور) كانت مليئة بالحيتان الصغيرة مثل دوريودون Dorudon الذين اتوا إلى هناك لكي يلدوا ويتكاثروا وهذا واضح من خلال الكم الهائل من الاسنان المكتشفة لدوردونات Dorudons يافعة أو شابة. وعلى العكس من ذلك فان جميع احافير باسيلوسورس Basilosaurus كان لحيتان بالغة. وهذه الحيوانات الضخمة اتوا إلى الهور لكي يصطادوا الدوردونات Dorudons اليافعة طعاما لهم.
في سنة 1989 بدأ العالم Gingerich برحلة بحثه الثالثة أيضا في مصر. هذه المرة اراد ان يسلّط الزعانف والوَرِك haunch للحيتان المنقرظة تحت البحث والفحص. البداية كانت غير مشجعة. فحص بعض الورك للباسيلوسورس Basilosaurus المكتشفة لكن أغلبها كانت مكسّرة وغير كاملة وغير واضحة لدرجة ان بعض الاجزاء لم يكن باستطاعتهم التعرّف عليها. وعندما كانوا يعملون على دورودون Dorudon شاب وجدوا بعض العظام غير المعروفة واعتقد ان واحد منها عظمة الركبة kneeplate ولكن هذا شيء صعب الفهم لانه إذا كان الحيوان له عظمة الركبة فانّ ذلك يعني انه كان يمتلك الارجل الخلفية أيضا, وهذا شيء يصعب فهمه واستيعابه لحيوان مائي بحت. في الاسبوع الأخير من تواجدهم في مصر وجدوا هيكلا عظميا جديدا للباسيلوسورس Basilosaurus، وفي الجهة الخلفية (12 متر بعيدا عن الرأس) كان له عظم الفخذ thighbone. في نهاية عظم الفخذ كان له ركبة ثم عظمي الظنبوب shinbone والشظيّة splintbone وكذلك عظم الكاحل anklebone، وفي اليوم الأخير تم ايجاد ثلاث اصابع لقدمه.
انه اذاً كان حيوانا برجلين خلفيتين، هذا الاكتشاف المتميز يظهر انه حتى هذا الحيوان المائي البحت كان ما زال لديه بقايا من ارجل اجداده الحيوانات البرية. على الرغم من أن الارجل البدائية rudimentary للباسيلوسورس طوله كان تقريبا 30 سنتيمتر مربوطا بجسم طوله 15 مترا والارجل كانت مربوطة بعظم الحوض الذي بدوره لا يرتبط بالعمود الفقري اي كان قابل للانتقال لانها ليست لها اسناد من العمود الفقري الاّ ان الارجل الخلفية كانت ماتزال لها وظيفة لان العالم Gingerich وجد آثار معينة على العظمة توضح انها كانت مربوطة بعضلات قوية. عندما حاول Gingerich معرفة كيفية حركة الرجلين الخلفيتين حدث شيء غريب, الارجل كانت صلدة جدا وغير قابل للحركة تقريبا, لانه لم يكن لديها ثلم gutter في اسفل القدم الذي تتدحرج عليه عظمة الركبة عادة في الحيوانات البرية. كانت هناك حالتان (وضعيتان) فقط تناسب الارجل الخلفية وهما امّا بشكل ممدّد أو ملتصقا بالجسم على طول الساق. وحسب رأي Gingerich فانهما كانا من الصعب على الحيوان تحريكهما بحرية وهذا يثير التساؤل حول فائدة الرجلين مادام كانتا شبه جامدتين. يعتقد Gingerich بان الرجلين كانتا تستعملان للمساعدة على الالتصاق خلال عملية الجماع، حيث كان الذكر يلتصق بالانثى وتتشابك ارجلهما الخلفيتان لكي يحافظا على التصاقهما خلال الجماع. وكذلك الحيتان الصغيرة Dorudon كانت لها ارجل خلفية, على الرغم من أن Dorudon ليست لها جسم طويل ثعباني كما في حالة الباسيلوسورس إلا أن شكل جسمها لم يكن الدافع وراء تواجد الرجلين الخلفيتين. والرجلان كانتا فقط من بقايا التطور التي لم تزولا بعدُ. ولكن التطور ازالهما بشكل نهائي وبمرور الزمن. كان العالم Gingerich كان يدرك بانه كان هناك الكثيرمن العمل يجب أنجازه لتكتمل صورة تطور الحيتان وان هناك فجوة تقدر بعشر ملايين من السنين ما بين Pakicetus و Basilosaurus والتي يجب البحث عنها. وملأ تلك الفجوة كان مهمة صعبة لعلماء الاحافير, إذ قام زميل للعالم Gingerich اسمه Hans Thewissen مع مجموعة من زملائه في 1991 و 1992 بالبحث عن الاحافير في باكستان املا في الحثور على احافير جديدة ليست للنوع السابق Pakicetus. في سنة 1991 وجدوا فكّ جديد للباكيسيتس Pakicetus لكن كان بشكل اكمل من المرة السابقة للعالم Gingerich. وفي بحثه الثاني في 1992 اكتشفوا احفورا يرجع إلى حيوان ذو حوافر أو بقر البحر, لكن كان له جسم غريب إذا قارنته مع الثديات, السيقان الامامية كانت قصيرة لكن مع ايدي كبيرة وعريضة, والارجل الخلفية كانت ذو اقدام طويلة شبيه بمهرجي السيرك في ايامنا الحالية. ووجدوا كذلك اسنان (اضراس) مثلثة الشكل مطابقة للتي تم ايجادها لدى الاحفور ميزونايخيا Mesonychia. وقد تم التعرّف على هوية الحيوان من خلال الاذن تماما كما في حالة Pakicetus إذ وجدوا في جمجمة هذا الاحفور أيضا عظمة الاذن شبيه بحبة العنب والعظمة على شكل حرف S لذلك استنتجوا مباشرة بانهم وجدوا احفورا يرجع إلى الحيتان. وهذه المرة كانت لحوت كان قابل للمشي على اقدامه، انه نموذج جيد جدا لحالة الحوت الانتقالية. فكّ الباكيسيتوس الجديد Pakicetus له فتحة صغيرة كرأس الدبّوس في الجهة الداخلية الجانبية من الفكّ. تمر الاوعية الدموية والاعصاب من خلال تلك الفتحة إلى منطقة الذقن من الرأس وكل ثديّات اليابسة لهم ذلك النوع من الثقب أو الفجوة. وتحولت تلك الفتحة في الحيتان الحالية إلى شقّ طويل يمر على طول معظم اجزاء الفكّ. العالم Thewissen وجد بان تلك الفتحة للاحفور الجديد كانت استطالت قليلا واخذت شكلا بيضويا.