يدل ما تبقى من الشعر الجاهلي حتى الوقت الحاضر، أن القبائل العربية الشمالية اصطلحت فيما بينها على لهجة أدبية فصحى عمد الشعراء على مختلف قبائلهم إلى نظم شعرهم بها،[20] فارتفعوا بذلك عن لهجة قبائلهم إلى هذه اللهجة الأدبيّة العامّة، ومن ثمّ احتفظت الخصائص التي تميزت بها كل قبيلة في لهجتها فلم تدخل في شعر شعرائها إلا قليلاً جدًا. وهكذا فإن اللهجة العربية الفصحى، التي انتهت بلغة القرآن والحديث والشعر المأثور عن الجاهلية، وكُل ما رُوي من النثر عن الجاهليين والإسلاميين الأوائل؛ هي الشكل اللغوي الذي انصهرت وتوحدت فيه لهجات عرب الشمال وبعض لهجات عرب الجنوب، وهي لهجة قريش، وإن الظروف التاريخية التي دفعت مكة للوصول إلى ما تمتعت به من مكانة خاصة وفاعلة في مجالات النشاط التجاري والاقتصادي والاجتماعي والديني، هي نفسها التي دفعت لهجة قريش لتتبوأ مكان الصدارة، وقد شكّلت نقطة جذب تلاقت عندها سائر اللهجات العربية الشمالية بخاصة وانفعلت بها.[20]